النقانق تسبب سرطان القولون: دراسة متعمقة في العلاقة بين اللحوم المصنعة وصحة الجهاز الهضمي
تعد النقانق من الأطعمة التي يعشقها العديد من الناس في مختلف أنحاء العالم، حيث تدرج في قوائم الطعام اليومية كوجبة خفيفة أو مكمل غذائي في العديد من الأطباق. ومع ذلك، فإن الأبحاث العلمية الحديثة قد كشفت عن علاقة قوية بين تناول اللحوم المعالجة والمصنعة، مثل النقانق، وزيادة خطر الإصابة بسرطان القولون. إن هذه العلاقة لم تكن مفاجئة لبعض العلماء الذين أكدوا على أن الاستهلاك المفرط لهذه الأطعمة قد يسبب تغييرات خطيرة في جهاز الهضم، ما يؤدي إلى تطور السرطان. وفي هذا المقال، سنتناول دور النقانق في زيادة خطر الإصابة بسرطان القولون، الآلية البيولوجية التي تفسر هذه العلاقة، بالإضافة إلى توصيات من الخبراء حول كيفية تقليل هذا الخطر.
اللحوم المصنعة: ما هي وما الفرق بينها وبين اللحوم الطازجة؟
قبل التطرق إلى الأبحاث التي تربط النقانق بسرطان القولون، من المهم أولاً فهم ما تعنيه اللحوم المصنعة. اللحوم المصنعة هي تلك التي تم معالجتها بطرق مختلفة تشمل التمليح، التدخين، التجفيف أو الإضافة للمواد الحافظة لتحسين النكهة أو طول مدة الصلاحية. يمكن أن تشمل هذه اللحوم النقانق، السجق، اللحم المقدد (الباكينغ)، اللحم المدخن، ولحوم البرغر التي تحتوي على إضافات صناعية.
على عكس اللحوم الطازجة غير المعالجة، تحتوي اللحوم المصنعة على مواد كيميائية قد تكون ضارة. يتمثل الفرق الأساسي في أن اللحوم الطازجة تحتوي فقط على البروتين والدهون من اللحوم نفسها، بينما تحتوي اللحوم المصنعة على إضافات مثل النترات والنتريت التي يتم استخدامها كمواد حافظة لتقليل نمو البكتيريا.
دراسة علاقة النقانق بسرطان القولون
في عام 2015، أصدرت الوكالة الدولية لبحوث السرطان (IARC)، التابعة لمنظمة الصحة العالمية، تقريرًا مثيرًا للجدل حول علاقة اللحوم المصنعة، بما في ذلك النقانق، بزيادة خطر الإصابة بالسرطان. وبناءً على مراجعة أكثر من 800 دراسة علمية، قررت الوكالة تصنيف اللحوم المصنعة كمادة مسرطنة من الفئة 1 للبشر، وهو نفس التصنيف الذي يتم منحه لمواد مثل التبغ أو الأسبستوس. وهذا يعني أن هناك أدلة قاطعة على أن اللحوم المصنعة يمكن أن تسبب سرطان القولون.
ووفقًا للدراسة، فإن استهلاك 50 جرامًا فقط من اللحوم المصنعة يوميًا يزيد من خطر الإصابة بسرطان القولون بنسبة تصل إلى 18%. تكمن المشكلة في أن هذه الزيادة في الخطر تصبح أكثر وضوحًا مع الاستهلاك المنتظم والمستمر لهذه الأطعمة. ووفقًا للدراسة، فإن هذه العلاقة بين اللحوم المصنعة وسرطان القولون تتراوح من معتدلة إلى قوية، مما يثير القلق بالنسبة للعديد من الأشخاص الذين يستهلكون كميات كبيرة من هذه اللحوم.
الآلية البيولوجية: كيف تسبب النقانق السرطان؟
فهم الآلية البيولوجية التي تفسر كيف يمكن أن تساهم النقانق في تطور سرطان القولون يتطلب التعمق في العمليات الكيميائية التي تحدث داخل الجسم بعد تناول اللحوم المعالجة. هناك عدة عوامل تساهم في هذه العملية:
-
النترات والنتريت: واحدة من أكثر المواد المثيرة للقلق في اللحوم المصنعة هي النترات والنتريت، التي تستخدم كمواد حافظة. عند تناول هذه المواد، يتحول بعضها إلى مركبات نيتروزامينية في الجسم، وهي مركبات معروفة بأنها مسرطنة. تشير الدراسات إلى أن النترات يمكن أن تتفاعل مع أحماض المعدة لتكوين مركبات نيتروزامينية، والتي قد تؤدي إلى تلف الخلايا في القولون، مما يزيد من احتمال حدوث سرطان.
-
الحرارة والدخان: أثناء عملية التدخين المستخدمة لتحضير النقانق، يتم إنتاج مواد مسرطنة مثل الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات (PAHs)، وهي مركبات توجد في الدخان الناتج عن حرق الوقود العضوي. تحتوي هذه المواد على القدرة على التفاعل مع الحمض النووي في خلايا الجسم، مما يتسبب في حدوث طفرات جينية قد تؤدي إلى السرطان.
-
الدهون المشبعة: تحتوي اللحوم المعالجة مثل النقانق على مستويات عالية من الدهون المشبعة، والتي يمكن أن تساهم في زيادة الالتهابات في الجسم. هذه الالتهابات المزمنة قد تساهم في تحفيز تطور الخلايا السرطانية في الأمعاء الغليظة.
-
العوامل الجينية والتغذوية: من المعروف أن العوامل الجينية تلعب دورًا مهمًا في تطور سرطان القولون. قد يكون للأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي من السرطان استعداد وراثي لتأثرهم بتأثيرات اللحوم المعالجة. بالإضافة إلى ذلك، التغذية السيئة (مثل تناول كميات كبيرة من اللحوم المعالجة وقلة الألياف) يمكن أن تزيد من خطر الإصابة.
أبحاث ودراسات متعمقة حول النقانق وسرطان القولون
هناك العديد من الدراسات التي تتناول العلاقة بين استهلاك اللحوم المصنعة وسرطان القولون. على سبيل المثال، أظهرت دراسة أجريت في الولايات المتحدة أن الأفراد الذين يتناولون اللحوم المصنعة بانتظام لديهم خطر متزايد بنسبة 50% للإصابة بسرطان القولون مقارنة بالأشخاص الذين يتناولون كميات أقل من هذه الأطعمة. في دراسة أخرى في المملكة المتحدة، تبين أن الأشخاص الذين يتناولون أكثر من 100 جرام من اللحوم المصنعة يوميًا يكونون أكثر عرضة للإصابة بالسرطان مقارنة بالأشخاص الذين يتناولون كميات أقل.
إضافة إلى ذلك، أكد تقرير من المعهد الوطني للسرطان في الولايات المتحدة على أن النترات والنتريت التي يتم إضافتها إلى اللحوم المصنعة هي من العوامل الرئيسية التي تسبب هذا الارتباط بين النقانق وسرطان القولون. في العديد من الدراسات، تم ملاحظة أن الأشخاص الذين يستهلكون كميات كبيرة من اللحوم المعالجة بشكل منتظم يتعرضون لخطر أكبر، خصوصًا إذا كانوا أيضًا يعانون من نظام غذائي فقير في الألياف أو يستهلكون كميات كبيرة من الكحول أو الدهون المشبعة.
التوصيات وتقليل المخاطر
من أجل تقليل خطر الإصابة بسرطان القولون نتيجة تناول النقانق واللحوم المعالجة، يوصي الخبراء باتباع عدة خطوات احترازية:
-
تقليل استهلاك اللحوم المصنعة: يمكن تقليل استهلاك النقانق واللحوم المعالجة عن طريق استبدالها بأطعمة صحية مثل اللحوم الطازجة الخالية من المواد الحافظة أو الأطعمة النباتية الغنية بالبروتين مثل البقوليات والمكسرات.
-
زيادة تناول الألياف: من المعروف أن الأطعمة الغنية بالألياف مثل الفواكه والخضروات والحبوب الكاملة يمكن أن تساعد في تقليل خطر الإصابة بسرطان القولون. الألياف تحسن حركة الأمعاء وتساعد في التخلص من السموم.
-
الطهي الصحي: من الأفضل تجنب طهي اللحوم على درجات حرارة عالية جدًا أو حرقها، حيث يمكن أن تزيد هذه العمليات من تكون المركبات المسرطنة. يمكن طهي اللحوم بطرق صحية مثل الشوي أو الطهي بالبخار.
-
الاختيار بعناية: إذا كان من الضروري تناول النقانق أو اللحوم المعالجة، ينبغي اختيار الأنواع التي تحتوي على أدنى حد من المواد الحافظة مثل النترات والنتريت. يمكن العثور على بعض العلامات التجارية التي تقدم لحومًا معالجة بدون إضافات كيميائية ضارة.
-
النظام الغذائي المتوازن: يساهم النظام الغذائي المتوازن في الحفاظ على صحة القولون. يتضمن هذا النظام تناول كميات معتدلة من اللحوم مع التركيز على الأطعمة الطبيعية مثل الخضروات، الفواكه، الحبوب، والبقوليات.
الخلاصة
إن تناول النقانق واللحوم المعالجة يعد من العوامل المساهمة بشكل كبير في زيادة خطر الإصابة بسرطان القولون. ومع وجود دليل علمي قوي يدعم هذا الارتباط، يصبح من الضروري أن يكون الناس أكثر وعيًا بمخاطر استهلاك اللحوم المعالجة بشكل مفرط. إن اتخاذ خطوات بسيطة مثل تقليل استهلاك هذه اللحوم، زيادة تناول الألياف، وتبني أسلوب حياة غذائي صحي، يمكن أن يساعد بشكل كبير في الوقاية من هذا النوع من السرطان.
